غاده السمان تكتب :تزوير الكتب سرقة ام استخفاف بحرفة الكتابة؟

طالعت في هذا المنبر (القدس العربي) مقالة لكاتب سعودي (13/8/2015) بعنوان «كلاسيكيات الرواية العربية» وهو حول ما نشرته جريدة «اخبار الادب» نقلا عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق.
وقيل لي انه كان لي النصيب في اختيارهم لافضل الروايات العربية التي صارت تعتبر «كلاسيكية» بايرادهم مشكورين لروايتي «كوابيس بيروت». ولست في صدد مناقشة المقال سلبا او ايجابا، ولكنني اريد التوقف حول قضية اخرى هي صورة الغلاف المنشورة مع المقال ومن المفترض انها لكتابي «لا بحر في بيروت» ـ رواية!! هذا مع صور لاغلفة روايات لاخرين تم اختياري معهم كنجيب محفوظ والطيب صالح وعبدالرحمن منيف وسواهم.
1 ـ يرى القارئ في صورة الغلاف المنشورة اسم الكتاب «لا بحر في بيروت» وهو اولا «مجموعة قصصية» لي لا رواية، كما جاء على غلافها. وبالتالي لا يمكن لمن قراه ضمه الى الروايات!
2ـ هذا الكتاب «لا بحر في بيروت» الصادر عن منشوراتي هو الان في طبعته العاشرة، ولكن ليس في اي طبعة منها اي غلاف كهذا المنشور مع المقال! وذلك معناه ان الكتاب مزور!.. وان من ارسل الغلاف للنشر لم يطالعه اصلا!.
3ـ الكثير من كتبي مزور ولكنها المرة الاولى التي يتم فيها تبديل غلافي الاصلي وخداع القارئ بكتابة كلمة (رواية) على الغلاف، لا مجموعة قصصية وذلك وحده استفزني!! وهو وحده سبب كتابة هذا التعقيب.
الف عام من تزوير كتبي
تزوير الكتب حقيقة عربية تزداد ازدهارا اليوم في الفوضى العربية الشاملة وتاريخي مع تزوير كتبي طويل. ولكن (المزوِّر) كان يكتفي بسرقة حقوق النشر من دون تزوير حقيقة الكتاب: رواية/قصص قصيرة.
زوجي رحمه الله (صاحب دار الطليعة) تنبه الى ذلك وقام بخطوة رائدة لمواجهة تزوير كتابي «اعلنت عليك الحب» في ليبيا، وحدس ان الخطوة التالية ستكون تزويره في القاهرة، وهكذا اتصل بالناشر العريق صاحب المكتبة القاهرية الشهيرة «مدبولي» وقامت منشوراتي باصدار طبعة شعبية بالاشتراك مع «مدبولي» بثمن لا يفوق سعر الكلفة بحيث يعجز (المزوِّرون) عن المنافسة.. وهكذا كان والكتاب الان في الطبعة الخامسة عشرة.
التزوير سرقة، ولكن…
منذ اعوام علمت بان استاذاً في احدى جامعات سوريا يقوم بتدريس احدى رواياتي ضمن اطار الادب المقارن مع رواية غربية.. وقام بطباعة روايتي على الة (الفوتوكوبي) ولم يكن الكومبيوتر شائعا وقتها، ووزعها على الطلاب، كي لا يضطروا لشراء كتابي.
من طرفي لم يضايقني ذلك، فانا احترم ضيق ذات اليد لدى الكثير من ابناء بلدي السوريين، لكنني امتعضت لان الاستاذ لم يتكرم باستشارتي او طلب الاذن مني، او على الاقل اعلامي بالامر واستمزاج رايي.
ايا كان مزوِّر غلافي فانه تصرف كدكتاتور يبيح ابجديات دون ان يكلف نفسه عناء قراءتها (رواية ام قصص قصيرة) واذا كان بعض اساتذة الجامعات يتصرفون على هذا النحو، كيف نلوم التاجر المزور والناقد؟. ثمة حقيقة لا نحب، نحن ابناء الابجدية، الاعتراف بها: وهي ان مهنة الكاتب ليست بالغة الاحترام في عالمنا العربي. وثمة مشهد لا استطيع نسيانه عشته في دمشق منذ الف عام حين كان عمري 18 سنة وذهبت بمفردي للحصول على جواز سفر (لانني احب منذ ذلك الزمان الاعتماد على نفسي). قلت لابي ذلك فقال: حسنا، ولكن خذي معك هذه الورقة.
وكانت موافقة من «ولي امري» اي ابي على سفري. وهرب من الغرفة قبل ان اناقشه بغضب: انا مواطنة كاخي، فلماذا يحق له ذلك دونما موافقة من «ولي امره»؟
يومها ملات الاستمارة الخاصة بطلب الحصول على جواز سفر، وكتبت فيها بفخر في خانة المهنة: كاتبة. ولم اذكر انني استاذة في مدرسة «دوحة الادب» للبنات.
نظر اليّ الموظف المختص بما يشبه الدهشة وسالني: هل انت معلمة حضانة؟ ام ممرضة؟ قلت له: انا كاتبة، كما دونت في الاستبيان. نظر اليّ بمزيج من الشفقة والاحتقار الضمني، وهي نظرة لم انسها يوماً واضاف: اعني مهنة حقيقية (تقبضين) منها (معاشاً)!.
لم انس يوما ايضاً نظرة الدهشة في عينيه حين طلب مني وثيقة من وليّ امري واكتشف انه الرئيس للجامعة. ولم احظ بجواز السفر الا بعدما اتصل هاتفيا بابي!.
الهاجس الابجدي قبل النسوي
هذه الحادثة دمغتني كنسوية، ولكنها اولاً احزنتني ككاتبة.
والدة احد جيراني في دمشق كانت تطالب ابنها بان يكون سفيراً او وزيراً او طبيباً او على الاقل محامياً!!.. لكن ابنها صار كاتبا. حزنت لذلك وابنتها صارت مطربة والجارة تندب حظها لجدتي وهي ترمقني باشفاق يوم صدور كتابي الاول!.
اعتقد ان جذور تزوير الكتب تكمن غالبا في عدم احترام مهنة الكاتب والصحافي الى جانب شهوة السرقة والحصول على المال السهل.
ومهنة الكتابة لما تصبح بعد في الموضع الذي يليق بها، ولذا يتم باستخفاف قتل الصحافيين او اختطافهم وتزوير الكتب دونما احترام الكثيرين لمهنة الكاتبة/الكاتب… وحتى بعض النقاد يخونون الامانة ويطلقون احكاماً مزاجية، دونما اطلاع على الكتب وعلى اصدائها العالمية احياناً.
نزار قباني وفالج لا تعالج
تم ذات يوم في سوريا تزوير كتاب للشاعر نزار قباني وجاءني غاضبا هائجاً وقلت له «فالج لا تعالج» لكنه اتصل امامي بمرجع سوري كبير جداً وضرب له موعداً وسافر الى سوريا لمحاصرة المزورين… وعاد بخف واحد لا بخفي حنين… فتزوير الكتب يشبه تحرك الاشباح… باستثناء انهم معنيون بالمال اولاً… وقبل ايام اتصل بي صديق عزيز من دمشق قائلاً ان روايتي الاخيرة «يا دمشق وداعاً» تم تزويرها وتباع بكثرة علنية وانه اشترى لي (مشكوراً!) نسخة منها للاطلاع!!.
حسنا. ولكنني ارجو المزور عدم كتابة اسم رواية على مجموعة قصصية لي رافة بالقارئ لا بي… وفي ظروف كالتي تمر بها بلادنا العربية من الصعب ان نطالب بحقوق المؤلف قبل حق الحياة للعرب وحق الحرية وحق المراة في ان تكون مواطنا (كاملاً)!… وريثما يتم ذلك، سيظل القارئ الاول لكتبنا هو الرقيب والناشر هو المزور!.
غادة السمان

Please rate this

0 1 2 3 4 5
Scroll to Top