تعرف على اللاجئين في التاريخ من العبرانيين الى ماســاة السوريين

لم تكن ظاهرة اللاجئين وليدة التاريخ الحديث، اذ يعد اول اللاجئين في التاريخ هم العبرانيين، الذين دفعت بهم المجاعة الى اللجوء الى ارض مصر. وقد لا يكون العبرانيون اول من لجا الى مصر في نحو العام 1650 ق.م، فوادي النيل الخصيب كان مركز جذب وارض ضيافة لاقوام الصحاري المحيطة والشحيحة.
ويمكن الحديث عن اول مليون لاجئ في تاريخ البشرية على اثر حروب الدين التي شهدتها اوروبا في القرن السادس عشر، والتي بدات عملياً مع طرد الملوك الكاثوليك يهود اسبانيا في 1492، وبلغت اوجها مع اضطهادات البروتستانتيين على اثر الغاء مرسوم نانت الذي كان يبيح حرية المعتقد الديني.
عرف القرن الثامن عشر موجة كبيرة من الهجرة لاسباب ايديولوجية تمثلت في اندلاع الثورة الفرنسية وما رافقها من ارهاب، ما ادى الى نزوح 150 الف فرنسي وطلبهم اللجوء في البلدان الاوروبية المجاورة. وفي القرن التاسع عشر اخذت ظاهرة اللجوء طابعاً قومياً تمثلت في ثورات 1848، التي عرفت «بربيع الشعوب» في اوروبا. واغلق اللاجئون المليون الثاني بعد انفصال الدول البلقانية عن الامبراطورية العثمانية اذ ان استقلال اليونان ورومانيا والجبل الاسود وبلغاريا ومقدونيا دفع بمئات الالوف من المسلمين للجوء الى القسطنطينية. كما دفع بمئات الالوف من المسيحيين من رعايا السلطان الى اللجوء الى الدول المحررة. وقد تفاقمت حركة اللجوء مع اندلاع موجة الاضطهادات والمذابح الجماعية للمسلمين في روسيا القيصرية في العقدين الاخيرين من القرن التاسع عشر. وقدر عدد من لجا من اليهود الروس والبولنديين الى فرنسا والمانيا وانكلترا والولايات المتحدة في حينه بربع مليون.
لكن القرن العشرين دق الناقوس الاكبر في مقياس خطر تلك الظاهرة حيث تجاوزت اعداد اللاجئين الملايين، الى العشرات. وبين 1917 و1947 اضطر نحو 27 مليون انسان الى تغيير اللجوء لاسباب مختلفة من ضمنها استمرارية المشكلات الديموغرافية المرتبطة بتشكيل الدول القومية ومسعاها الى التجانس الاثني. وقيام الانظمة الشمولية في الاتحاد السوفييتي والمانيا وما ادى اليه من تشريد وتهجير للاعداء الطبقيين والعرقيين. وحركة المد والجزر السكانية التي رافقت تطورات الحربين العالميتين.
كما اضطر الملايين من الارمن للجوء الى دول الجوار، فضلاً عن ما حصدته الثورة البلشفية والالمانية الهتلرية وما تمخضت عنه الحروب العالمية من حركات نزوح. وبين عامي 1948 و1961 نزح عن المانيا الشرقية، عبر برلين، ما لا يقل عن 5.3 مليون الماني. وقد تكررت الظاهرة عينها في الدول الدائرة في الفلك السوفييتي، ومنها المجر التي فرّ منها، بعد فشل ثورة 1956، نحو 200 الف مجري، وكذلك تشيكوسلوفاكيا التي تحول 80 الفاً من مواطنيها الى لاجئين بعد ربيع براغ 1968.
وقد اطلق انهيار الاتحاد السوفييتي ابتداء من 1989 موجة اخرى من اللجوء او النزوح. فقد هرب في ذلك العام نحو من مليون شخص من مختلف بلدان المعسكر الاشتراكي، كما غادر سبعمئة الف يهودي بين 1988 و1993 الاتحاد السوفييتي، عبر فيينا، نحو اسرائيل واوروبا الغربية والولايات المتحدة. وقد انتقلت عدوى الموجة الى القسم الاسيوي من الاتحاد السوفييتي السابق حيث تسببت الحرب الارمنية – الاذربيجانية في القوقاز في نزوح وتهجير ما يقارب المليون نسمة من الاذربيجانيين المسلمين والارمن المسيحيين.
ولم يقتصر اللجوء على اوروبا فحسب، فقد تضاعف ثلاث مرات اعداد اللاجئين الفلسطينيين جراء ارتفاع معدلات ديناميتهم الديموغرافية وتضخم صفوفهم بموجة اخرى من لاجئي حرب 1967. ويقدم تقسيم الهند، بعد تقسيم فلسطين، صورة لا تقل فجاعة عن ظاهرة اللجوء في العالم المعاصر. فعدا المذابح التي ادت الى سقوط اربعة ملايين ضحية، تراكم عند حدود الدولتين الجديدتين، الهندية والباكستانية، 14 مليون مهجر ما زال العديد منهم يعيش حتى اليوم في الخيام.
وفي اسيا الوسطى ايضاً ادى اندلاع الحرب الاهلية بين الاسلاميين والشيوعيين الجدد في طاجكستان الى تغيير مكان اقامة 600 الف شخص. وفي سياق انهيار المعسكر الاشتراكي ادت الحروب الاثنية في يوغوسلافيا السابقة الى اقتلاع 7.3 مليون شخص من جذورهم. واليهم يضاف اليوم مهجرو كوسوفو.
ولا يمكن طي صفحة الهجرة واللجوء في القارة الاسيوية من دون الاشارة الى الثمن الباهظ الذي دفعته بعض الشعوب من جراء طبيعة الانظمة السياسية التي تعيش في ظلها. فتوحيد فيتنام تحت ظل النظام الشيوعي قد تمخض عن نصف مليون من «لاجئي الزوارق». والثورة الايرانية شردت مليوني لاجئ عبر العالم.
وعلى النطاق العربي كان العراق اول نظام منتج للاجئين من ثم الصومال ولبنان والسودان وصولاً الى اكبر ازمة للاجئين في الوقت الحاضر وهي الازمة السورية، اذ تتوقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ان يصل عدد اللاجئين السوريين بحلول نهاية السنة الى 4,27 مليون، يضاف اليهم نحو 7,6 مليون نازح داخل سوريا.

Please rate this

0 1 2 3 4 5
Scroll to Top